للاستخارة فوائد عظيمة ومنافع جَمَّةٌ هي أعظم من استجابة دعائه وتلبية طلب صاحبها.* أولى هذه الفوائد:تحقيقُ معنى العبادة لله- عزَّ وجلَّ- المتضمِّن الخضوع له وإظهار الضَّعف والذُّلّ بين يديه والحاجة واللجوء إليه واستعطافه وطلب الخيرة منه، ولو لم يكن فيه إلا هذا لكفى بها خيرًا عظيمًا، وفي هذا تحقيقٌ لتوحيد الألوهيَّة الذي هو ركن من أركان التَّوحيد، وشرط من شروط الإيمان: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].الفائدة الثانية:تحقيقٌ لمعنى الإيمان بأنَّ الله بيده مقاليدُ الأمور، ويعلم غيبَ السَّماوات والأرض ويحب لعبده الخيرَ ويختار له ما ينفعه؛ وفي هذا تحقيقٌ لتوحيد الرُّبوبيَّة والأسماء والصِّفات؛ قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68]، وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59].قال ابنُ القَيِّم- رحمه الله: «فتضمَّنَ هذا الدُّعاءُ الإقرارَ بوجوده- سبحانه- والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة والإقرار بربوبيَّته وتفويض الأمر والاستعانة به والتَّوَكُّل عليه والخروج من عهدة نفسه والتَّبَرِّي من الحول والقوَّة إلَّا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيد وليِّه وفاطره وإله الحقّ»( زاد المعاد (2/442).).* الفائدة الثالثة:الثِّقةُ بالله والرِّضى بقضائه بعد الاستخارة وقبلها، والتَّوَكُّلُ عليه وتفويضُ الأمر إليه بدل الحيرة والتَّرَدُّد والقلق الذي يُضعف النَّفسَ وينهك البدنَ ويولِّد الهموم؛ قال ابنُ القيِّم (الفوائد (247)): إذا فوَّضَ أمرَه إلى ربِّه ورضي بما يختاره أمدَّه فيما يختاره له القوَّةَ عليه والعزيمةَ والصبرَ، وصَرَفَ عنه الآفات التي هي عرضةُ اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.ومنها: أنَّه يُريحُه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبَه من التَّقديرات والتَّدبيرات التي يصعد منها في عقبة وينزل في أخرى، ومع هذا فلا خروجَ له عمَّا قدّر عليه؛ فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه، وإلا جرى عليه القدر؛ ففي الاطمئنان والرِّضى بقضاء الله- تعالى- تحقيقٌ عظيمٌ لركن من أركان الإيمان، وأجرٌ عظيمٌ عند الدَّيَّان عدا عن أنَّ فيه جلاءً للهموم واطمئنانًا للقلوب وهدوءًا للنُّفوس، ومن رُزق الاطمئنان والرِّضى بقضاء الله وقدره، فقد رزق خيرًا كثيرًا، وما يشعر بهذا إلا المؤمنون.ولما وثقت أمُّ موسى بالله- عز وجلَّ- أَلْقَتْ فلذةَ كبدها وسوادَ عينها في اليمّ تتلاطمه الأمواجُ ويسوقُه الماء إلى أمر يظن الرَّائي أن لا رؤيةَ له بعد هذا... فهو أمر يكاد يفطر الأكباد ويمزِّق المهج ويحرق النُّفوسَ؛ أن تلقي أمٌّ ولدَها إلى التهلكة؛ لكنَّ الثِّقَةَ بالله العظيم والتَّوَكُّلَ عليه هو الذي دفعها إلى أمر لا يفعله إلا المتوكِّلون ولا يعلمه إلا الواثقون، ومن ذاق طعمَ الرضى بقضاء الله وقدره أيًّا كان وكيف كان استأنس بالمصيبة وصبر عليها واستوحش القلق والحيرة وأعرض عنهما.* الفائدة الرابعة:توفيقُ الله لعبده المستخير إذا ما قدَّر اللهُ للعبد المستخير التَّوفيق؛ ففي ذلك نعمتان:الأولى: استجابةُ الله دعاءَ عبده؛ وفي هذا خير عظيم ودليل على ما عند العبد من صلاح إن لم يكن استدراجًا.الثانية: توفيق الله لعبده في الأمر المستخار فيه واختيار الخير له وتوجيهه وإرشاده إليه بدل ضياعه وضلاله عنه.ومن فوائدها أيضًا:أنها تزيد ثوابَ المرء وتُقرِّبه من ربِّه؛ وذلك لما يَصحبها من الصَّلاة والدُّعاء.وهي دليل على تعلُّق قلب المؤمن بالله عز وجل في سائر أحواله.وهي دليل على ثقة الإنسان في ربه ووسيلة للقرب منه.وهي دليل الرِّضا بما قسم الله للإنسان وقدر.وهي من أسباب السَّعادة في الدنيا والآخرة.وفيها تعظيم لله وثناء عليه.وتورثُ الإنسانَ راحةً؛ حيث يسعى بما تيسَّر له من الأسباب بعد أن يطلب الخير من الله، وحيثما رضي وقنع فارتاح.وفيها مخرج من الحيرة والشَّكِّ؛ وهي مدعاة للطُّمأنينة وراحة البال.وفي الاستخارة امتثالٌ للسُّنَّة المطهَّرة وتحصيل لبركتها، وهي ترفع الرُّوح المعنويَّة للمستخير فتجعله واثقًا من نصر الله له.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعند.طارق بن محمد الطواري ( من كتاب صلاة الاستخارة)