في شهرِ حزيران
من سنةٍ لم يغتصبها التاريخ
ضريتُ في الأفقِ البعيد
لم أدرِ إلى أين
اختطفتني كلماتي من ذاتي
كأنّي إلى رمادِ سجائري أسير , ولكني وجدتُ نفسي أمام دخانٍ بعثره الليل في شوارع ٍ مختليةٍ بذاتها ,تعيش الليل برقاده وترتدي أضواءَ قريةٍ أكلت أطرافها أصواتاً غريبةً غير أنّ شوارعي هي الأخرى باتتْ مختليةً بذاتها تعيش زفراتِ الماضي وشهقاته ,وما عادتْ أقدامي القدامى تستطيع أن تطأها ,تعثرتُ بدمعة عابرةٍ كأنها لا تعرف مستقرّاً تلقي أحمالها عليه , وبدا وكأنه تعبرها أسئلةٌ فقيرة ,فسألتها :استوقفتني منذ زمن دمعةٌ عابرة , فهل أنتِ هي ؟
تردّد الصوتُ بلون الماءِ :
من معطف الخريف أتيتْ
لألقاكَ
فاسمع الحكاية
منذ مولدي
طفتُ البلاد
لكننّي لم أجدْ إلا ..
عصفوراً باع صوتَه للرياح
لَعلّهُ يلقى نجدةً
من شاعرٍ رمى حيرته
خلف القضبان
وهنا تدخلتُ قائلاً : على رسلكِ , جئتُ أشكو إلى مَن لا يشكو , غير أني تفاجأتُ بأنّ شكوايَ تاهتْ في حيرة شكواك , و لكنْ اسمعي ما يدور في الّنفسِ من مقال إن كان للمقال في نفسك مآل : لقد هدرتُ دمَ رواياتي بين الرّواة و فضحتها ,وجعلت التاريخ هو الجلاد ,وهنا أسأل السؤال:
هل تدعيني أفتّش في صدرك
عن قُبُلٍ روحية
عن أشياء كثيرة فقدتُها
أفتّش عن أقلامٍ جديدة
وأوراقٍ جديدة
أفتّش عن حاجات الفقراء
كيف تُقضى ..؟
لم يكنْ سؤالاً عابراً بل تردّد ذلك في نفسها ,وتجلّى الصمتُ بادياً بين جوانحها ,بيدَ أنّها ردّتْ بصوتٍ تناهى لكل الأسماع :
عُدْ إلى ذاكرتك الهاربة
لأوري ربيعك اليابس
لأعتقَ الرّوح من ماضيك
أمّا صفحاتك الصفراء
عيدُ ميلادٍ جديد مع الشرود
اتكأتُ على ذكرياتِ الهاربة لَعلّي استعيد شيئاً , أصابني الفتور قليلاً ,فقلتُ : تذكّرت ذاتَ يومٍ أنّي حملتُ جدائل الحبّ سكيناً من ورد , حملتُ مئةَ سؤالٍ انتحرت ,وأطاحت بنفسها في ركن بارد مظلوم .
أصابها العجبُ ,ودنَتْ مني فأحسستُ بدفء ساخ في جسدي ,وجعلني أتنّقل على أطراف الربيع مخلفاً ورائي دموع آلاف الفقراء ,ولكن تراءى لي من بعيد ذالك السؤال :أترتوي ,وتنتشي بمفردك ,وترمي للجياع قطع لحم رواياتك المهدورة ؟
عدتُ للوراء مبتعداً عنها في ظلّ تساؤل غريب لم تستطع أن تحبسه لو لثوانٍ فقالتْ:ألا ترى بأنّي أحسستُ بالدفءَ مخلّفةً ورائي ما خلّفته وراءك ,فما كنّا منا إلا ابتعدنا لنفسح الطريق لمرور الزمن .
سخرتُ من نفسي ,وقلت : أاستشير حماقتي أمام تصوفها بقلبي ؟ فقد جعلتني حماقتي في تلك اللحظة أنْ أزهدَ بكلّ الكائنات, لا لن أكترث لحماقتي فهي مَن قادتني بمفردي إلى الدفء الأناني ,و لكن سأكتب وأقولُ جملاً كنتُ أزيّن بها كتبي المدرسية :
أحضنُ الموتَ
بين جنباتِ رصيفِ عمري
أمّا حزني رداءُ سكاكين جسدي
أمّا هوى حماقتي
فانثره لسكاكين جسدي الجائعة
فأنسى ورم انفعالاتي
ورمَ شجاري مع ذاتي
وأرقدُ ورقادَ همومي
في لحظةٍ وردية الألوان
هربتْ من خاصرةِ الزّمن
وفي تلك اللحظات أقفلتْ عائدةً وكأنها تستعيدُ شيئاً قديماً مُذِّر بين الرّماد عندما قالتْ:
خُذْ بيدِ الصباح فهو مُقبل إلى الرماد ,واصنع خبز المحبةِ للناس ,لا تنسَ فهو مقبلٌ ,و لكنْ متى وأين لا اعلم . فما كان منّي إلا عدتُ لأخطَّ حيرتي بين السحاب ,باسطاً كفي للغياب :
تجوّلتُ مراراً في أصقاعِ ذاتي
بتُّ غريباً في ذاتي الغريبة
فهل وُضعتُ حشواً في ذاتي
أم أننّي أتجوّل في نفس مَن يشبهني
فراس حمّود
2012