أحـلام اليقظــة تحطمها صخرة الواقــع ؟..؟؟؟؟؟؟؟؟
( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
يستطيع الخيال أن يعبر الأفلاك .. ويبلغ بصاحبه عنان السماء .. ويستطيع المرء أن يخلق لنفسه جنة في الخيال .. ويستطيع أن يكون شخصاً ذات شأن في الوجود الإنساني ولكن كل ذلك في الخيال وبالأمنيات .. ويستطيع أن يوجد لنفسه عرشاَ هو الملك فيه ولكن في الأحلام .. له قصوره وقلاعه وبساتينه وخدمه وحشمه .. ويستطيع أن يوجد عالماَ خاصاَ به وهو السيد فيه .. تلك هي عوالم أحلام اليقظة .. وكل إنسان يمتلك ساحته الخاصة في تلك العوالم .. ولكن سنة الحياة أوجدت فاصلاً هو المحك .. حيث الحقائق المجردة .. ويسمى بفاصل الواقع والحقائق .. صخرة عندها يتحطم كل أحلام اليقظة .. وتموت عندها الطموحات والآمال .. فالحقائق لا تسمح بالأحلام .. وتحقيق حلم في سلة الأحلام يستلزم الكفاح والنضال والتضحيات حتى تكون حقيقة .. وقد لا تكون حقيقة أبداً فيصاب بالفشل والخيبة .. والبعض ممن تيقنوا المحصلة سلفاَ يفضلون البقاء في عوالم الأحلام والخيال الخاصة بهم .. فيكون جل حياتهم العيش في ساحات أحلام اليقظة .. دون التجرؤ في محاولة تحقيقها .. وتلك هي سنة الغالبية من بني البشر .. والبعض يلازمه العناد فيصر على النضال والإصرار على تحقيق ونيل الطموحات والأحلام .. فإذا نال درجة عمل وكد لنيل درجة تالية .. فحياتهم كلها كفاح ونضال حتى موعد الرحيل .. وهنا يأتي دور الفلسفة في تحديد الأفضلية فمنهم من يرى أن الدنيا لا تستحق أكثر من المتاح الميسر .. ومنهم من يرى أن الحياة أساسها مبني على الكفاح المتواصل وحتى الرمق الأخير .. ولكل وجهة نظره .. ولكن الخطوة الخطرة لدى البعض في حالة عدم تحقيق الطموحات أن يرى الفشل إحباطا للمعنويات .. وشعوراً بالعجز في مقدرات الذات .. وبعدم تحقيق أحلامه يبدأ في مساومة ومجادلة النفس .. ثم يحس بالمرارة وقد يدخل في مرحلة من مرحل أمراض اليأس والقنوت .. فيفكر في الانتحار .. وتلك نظرية من يحاول قتل المشوار برمته .. وهي نظرية في عمقها التهرب عن مواصلة النضال الدءوب في مشوار الحياة .. فهو بذلك يظلم نفسه ويحملها ما لا تطيق من الطموحات .. أما اللبيب الفطن فيجتهد فإذا أصاب فبها وإن أخفق فالأمر يوكل للمقادير .. ولذلك هناك حكمة عجيبة وخاصة لدى أهل العقيدة فهم يجتهدون في تحقيق الأهداف والأمنيات فإن أصابوا شكروا الله كثيراً وعلموا أن النصر من عند الله وليس من عند أنفسهم .. وإن أخفقوا شكروا الله أيضاً وتيقنوا أن الأقدار حكمت بذلك لحكمة يعلمها الله .. والنفس يجب أن لا تحمل وزر الأقدار وتعاقب بالانتحار .. فلذلك فإن الإنسان الذي يفكر في إنهاء حياته بالانتحار فهو إما أنه لا يملك الإيمان القوي بالله وبالأقدار وبالعواقب في الآخرة .. وإما أنه مريض نفسياً بحيث أنه يفقد السيطرة على العقل فيما يفعل .. فالأول على شفا الجحود والاحتجاج على الله ( والعياذ بالله ) .. والانتحار دليل على يأس العبد من رحمة الله أرحم الراحمين .. والمنتحر احتجاجاً على القدر هو من أهل النار بالدليل في الكتاب والسنة ..
يقول الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } .
وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث روى أبو هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سماً ، فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " [ رواه مسلم ] .
أما الثاني الذي يحاول الانتحار وهو مريض بمرض نفسي فهو قد لا يملك العقل فيما يفعل .. فيوجد له العذر في محاولاته ويجب المسك بيده قبل وقوع الحدث وإنقاذه ومساعدته بقدر الإمكان .
والأهم من ذلك أن تكثف البرامج الإرشادية في المناهج التعليمة بأن الأحلام والطموحات هي فطرة كامنة في نفس الإنسان .. وأن تلك الأحلام جلها أو بعضها تتحطم عند صخرة الواقع .. وليست بالضرورة أنها محققة كلها .. وبذلك سلفاً تكون النفوس مهيأة وممهدة لقبول النتائج مهما كانت فتقل لوم ذاتها .