نقرأ الكثير من المواضيع والمقالات حول حقوق المرأة واضّطهادالرّجل لها، كذلك الكثير من الاختبارات النّسائيّة الّتي تعبّر عن معاناة شاقّةومضنية مع قسوة الرّجل. وهذا الواقع الّذي ما زلنا إلى اليوم نعاني منه فيمجتمعاتنا المسكينة، ينتج عن عدّة عوامل أهمّها: التّربية، وتعامل المرأة معإنسانيّتها، وأسلوب التّواصل بين المرأة والرّجل، وعنصرية الرّجل والمرأة...
لا يمكننا الكلام عن المرأة بمعزل عن الرّجل والعكس صحيح، لأنّالمرأة والرّجل معاً يكوّنان صورة الإنسانيّة. ليس على المستوى العلائقيّ أو العاطفيّوحسب، وإنّما على المستوى الاجتماعيّ والإنسانيّ. إذ لا يمكن للمرأة أن تحقّق إنسانيّتهابعيداً عن الرّجل لأنّ صورتها ستبقى ناقصة. كذلك الرّجل لا يمكنه إنجاز الكثيربمعزل عن المرأة.
وعندما نتكلّم عن المرأة والرّجل لا نعني بهما الذّكر والأنثى. لكي ندرك الصورة الإنسانيّة لهما، علينا أن نرتفع إلى مستوى الإنسان.فالمرأة بما تحمل في تركيبتها من عواطف ومشاعر ومن جمال وقوّة تكمّل صورةالرّجل الّذي يحمل أيضاً المشاعر والعواطف والقوّة ولكن بطريقته بوصفه رجلاً.والعكس صحيح. وبالتّالي تتماهى صورة الرّجل وصورة المرأة ليكوّنا معاً صورةالإنسانيّة.
يبدأ احترام الصّورة الإنسانيّة للرّجل والمرأة في التّربية. ولاننسى أنّ المرأة هي الّتي تربّي الرّجل. ولكن للأسف في مجتمعاتنا، يُربّى الرّجلعلى أنّه ذكر، وبأغلب الأحيان لا يربّى على مفهوم الرّجولة، لأنّ الرّجولة تختلفعن الذّكوريّة، إذ إنّ الرّجولة تحمل المعنى الإنسانيّ للكلمة. كذلك تُربّى المرأةعلى أنّها أنثى وليس على أنّها مشروع إنسان يحمل في داخله الكثير الكثير منالطّاقات والقدرة على الإبداع. فالمرأة تمتلك قدرة عالية على الإبداع في المجتمع قد لا يمتلكها الرّجل؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للمرأة أن تقوم بأكثر من عمل في وقت واحد،غير أنّ الرّجل لا يمكنه ذلك. وهذا ليس نقصاً في الرّجل ولا كمالاً للمرأة، وإنّماالاثنان معاً يكمّلان بعضهما البعض. وإذا دخلنا في صلب التّربية، نجد أنّهابأغلبها ملقاة على عاتق المرأة، وهذا مرفوض إلى حدّ بعيد. فعلى الطّفل أن يخزّن فيداخله صورة عن المرأة متماهية مع صورة الرّجل، لنبني في داخله صورة المرأة وليس صورةالأنثى فقط، وصورة الرّجل وليس صورة الذّكر فقط.
إنّ الأمّ هي المرأة الأولى في حياة الرّجل، وبالتّالي يجب أنيكوّن في ذهنه وقلبه صورة راقية عن المرأة من خلالها. هذه الصّورة الأولى ستنطبعفي داخله عبر السّنوات وبفضلها سيتعامل مع النّساء اللّواتي سيلتقي بهنّ. كذلكالأب هو الرّجل الأوّل في حياة المرأة، فإن تشوّهت هذه الصّورة لديها، ستحملهامعها دائماً إلى أن يأتي من يغيّر لها هذا الانطباع، أو بأسوأ الحالات ستختارشبيهاً لهذه الصّورة لأنّها تنظر إليها بشكل طبيعيّ.
إذاً، فالتّربية هي الأساس. ومن هنا إذا ما نجح الرّجل والمرأةمعاً في توضيح الصّورة الإنسانيّة لهما، فبالتّالي سنصنع رجالاً ونساء، لا ذكوراًوإناثاً.
وينشأ عن سوء التّربية هذا، قلّة إدراك لصورة المرأة الإنسانيّة.فهي لم تتعلّم كيف تجيد التّعامل مع نفسها. هي تتعلّم كيف تهتمّ بالرّجل (الذّكر)،وكيف تخاف منه، وكيف ترضي نظرته إليها. وبالمقابل يتعلّم الرّجل كيف يؤدّب المرأة(الأنثى)، وكيف يحافظ عليها بقوانين واهمة وبعيدة كلّ البعد عمّا هو إنسانيّ، وكيف يخاف منها ليقسو عليها أكثر.
إن لم تتعلّم المرأة كيف تتعامل مع ذاتها، لن تستقلّ أبداً، ولنتدرك قيمتها الإنسانيّة. والتّعامل مع الذّات يشمل كيان المرأة كلّه، جسداًوروحاً. عليها أن تتعرّف على جسدها ورغباته وجماله كأرضيّة تساعدها على الارتقاءبروحها نحو كمالها الإنسانيّ. ومتى نجحت المرأة في التّماهي مع ذاتها ستنجح فيبناء علاقة سليمة مع الرّجل، دون الحاجة لإغوائه أو للتّقرّب منه بوسائلهاالبدائيّة من لباس ومساحيق...، كما عليها أن تتسلّح بأقوى سلاح في هذا العالم، وهوالعلم والثّقافة. فلا يمكن للمرأة بعد اليوم أن تعوّل فقط على جمالها وأنوثتهاوتهمل إدراكها العقليّ والإبداعيّ. بلعليها تعزيز كيانها من خلال العلم، وتثقيف نفسها لترتفع إلى مستوى المرأة ولا تبقىعند مستوى الأنثى. وعندها ستبحث عن الرّجل الّذي سيكمّل لها صورتها، وليس عنالذّكر الّذي سيقدّم لها الماديّات على طبق من فضّة.
إنّ المظهر الخارجيّ لا بدّ أن يكون مقبولاً وجذّاباً، ولكنّالإناء بما فيه ينضح. فعلىالدّاخل أن يضفي كلّ الجمال على الخارج، وبالتّاليلا يكون الجمال مؤقّتاً بل خالداً.
بالمقابل، على الرّجل أن ينظر إلى المرأة على المستوى الإنسانيّ، ويدركعقلها قبل جسدها. فالنّظرة إلى الجسد فقط، لا تعبّر عن إنسانيّة الرّجل، بل عنذكوريّته. والذّكر يعوّل كثيراً على قدرته على الإيقاع بالأنثى، وليس علىالتّماهي مع المرأة. ولا بدّ أن يدرك طاقة المرأة الإنسانيّة، ويستفزّ ملكاتهابتواضع، وألّا يخاف من تغلّبها عليه في أماكن كثيرة.
كما أنّ سوء التّربية أنتج سوء تواصل بين الرّجل والمرأة. وباتالتّواصل في أغلب الأحيان بينهما على مستوى الجسد. مع العلم أنّالتّواصل الإنسانيّ لا يقتصر على الجسد فقط. هو ينظر إليها غالباً على أنّها سلعةتحقّق رغباته، وهي شكّلت نوعاً من التّحالف معه في موافقتها على أن تكون سلعة.فإلى اليوم، نجد الكثير من النّساء يحاولن إغواء الرّجل بمظهرهنّ لفراغهنّ منالدّاخل. ويعرضن أجسادهنّ لتكون سلعة إعلاميّة.
كما يجب على الرّجل أن يعي أنّ المرأة ليست فقط هبة جسديّة، وإنّماهي هبة إنسانيّة، بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى. ولكي يتمتّع بجمالهاالإنسانيّ عليه أن يدرك عقلها وروحها. وليس هو من يحافظ عليها، بل هي من تحافظ علىنفسها لأنّها ملك نفسها، وحقّها الطّبيعيّ كإنسان أن تعبّر عن ذاتها. وكما أنّالرّجل يصيب ويخطئ، فكذلك المرأة. ولا عيب في ذلك، فكلّنا نتعلّم من أخطائناونتطوّر من خلالها، أم أنّ الخطا حق حصريّ للرجل؟
إن مساواة المرأة مع الرّجل، يفترض مساواة على مستوى الحقوقوالواجبات، واختبار الحياة. ولا ندعو هنا للتّفلّت، بل لإنصاف المرأة والرّجلكإنسان. وعلى المرأة أن تعي جيّداً أنّ مساواتها مع الرّجل، لا تعني تقليد الرّجل،أو الحلول مكانه. المساواة هي أن يحصل كلّ منهما على حقوقه وأن يقوم كلّ منهمابواجباته. وعلى المرأة أن تحافظ على مكانتها كامرأة، وبالتّالي الرّجل، ومعاًيصلان لبلوغ الوجه الإنسانيّ.
يتربى الأنثى والذّكر بشكل عنصريّ، ولا ينالان منذ البدء حقوقهمابشكل متساوٍ. ويحملان هذه العنصرية معهما طيلة حياتهما فتتشوّه صورة المرأة وصورةالرّجل. وينتج عن هذه العنصرية لغة تواصل غير سليمة، بحيث أنّ المرأة تخاطب الرّجلعلى أنّه ذكر، وهو يخاطبها على أنّها أنثى، ولا يخاطب الواحد الآخر في عمقإنسانيّته.
إذا كان الرّجل والمرأة يكوّنان معاً صورةالإنسانيّة، فعلى المرأة أن تفرض احترامها وقوّتها من خلال علمها وثقافتها، ومنخلال إبداعها الإنسانيّ، فبالحبّ الّذي تختزنه في داخلها يمكنها أن تغيّر العالم. وعلىالرّجل أن يفرض رجوليّته لا ذكوريّته من خلال إنسانيّته، ومن خلال قوّتهالدّاخليّة التي من خلالها يمكنه التّماهي مع صورة المرأة ليصلا معاً إلى الكمالالإنسانيّ.
Bottom of Form